قصة وفاة رئيس المخابرات السابق بكل ما فيها من ملابسات ودراما وغموض وإثارة، ليست هى المانشيت الرئيسى، ولكن المانشيت الذى يسترعى الانتباه هو اللهجة الشامتة الانتقامية التى يتحدث بها البعض عن هذه الوفاة، فهذا داعية يصفه بالنافق المجرم ويحرم الترحم عليه، وذاك وجه حزبى بارز فى أحد الأحزاب التى - ويالها من كوميديا - لا تعترف بالديمقراطية يقول إن الصلاة على عمر سليمان حرام والفرح بموته جائز!!، وما بين هذين الرأيين عشرات الآلاف من التعليقات التى من بينها حمد الله وشكره على أنه لم يبلغ المتوفى رمضان عقاباً له، ومن ذكر أنه تعذب فى الدنيا جزاء لخدماته للنظام السابق.. إلى آخر هذه الآراء والأفكار المزعجة التى تكشف عن وجه مصرى جديد قبيح دميم يطل علينا من عمق ظلام دامس، ها هو جنين مشوه يولد من رحم مصر الجديدة التى لا نعرفها، مصر ذات وجدان قاسٍ غليظ متجهم دموى يفتقر إلى أبسط أبجديات الإنسانية.

ماذا حدث للمصريين؟، كان هذا عنواناً لكتاب بديع للدكتور جلال أمين يحتاج إلى جزء ثانٍ يشرح فيه ماذا حدث لهم بعد صدور الكتاب الأول، وتحديداً بعد أن طفا تيار الإسلام السياسى على السطح؟، كنا نتصور أنه مع سيطرة الإسلام السياسى سيتسرب إلى مسام المجتمع بالتبعية أخلاق الإسلام وضمير الإسلام وسماحة الإسلام، ولكن اتضح أن انتقال الفكر الوهابى بكل ما فيه من قبلية وجنوح إلى القسوة والعنف إلى نخاع تيار الإسلام السياسى بعملية هندسة وراثية تغلغلت داخل الجينات، اتضح أن هذا الانتقال قد صبغ هذه التيارات بصبغة جديدة، فطقوس التعامل مع الموت بكل إجلال ومهابة واحترام التى كانت داخل جينات المصريين منذ الفراعنة تعتبر عند الوهابيين كفراً صريحاً بداية من شكل القبر حتى عزاء الأربعين، لم يكن لدى المصرى منذ عصر الفراعنة أى إحساس بالفرح فى موت أحد، لم يكن لديه هذه الغلظة أو هذا الجفاء أو هذه الشماتة فى الموت، لم نر هذه الهستيريا الراقصة الفرحة عند رؤية فيديوهات مثل فيديو اللعب بجثة القذافى كالدمية، أو قطع الرقاب بواسطة الزرقاوى أو التلذذ بمشاهد الرجم والسحل فى السودان والصومال وأفغانستان.. إلخ.

المزاج المصرى معتل، الوجدان المصرى أصابه المرض وأرجو ألا يكون قد تمكن منه، العقل المصرى المتحضر الذى علم الدنيا التمدن والذوق وفنون التعامل والإتيكيت ورقى الإحساس تسلط على خلاياه فيروس القسوة والتحجر، الخضرة افترسها تصحر فكر الخوارج، المصرى الذى كان يحنط الجثة بكل احترام وحب فى طقس مقدس، صار محنط الإحساس جاف المشاعر، يعتبر حتى البكاء جريمة والدمع حراماً والرقص على جثة الميت ثواباً.